كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهذا الحكم على الله الذي كل يوم هو في شأن بأنه لا يخلق مجتهدًا قبل المهدي من مدة انقرأض الاجتهاد المزعوم هو يا أخي كما ترى.
ولا شك أنك إن لم يعمك التعصب المذهبي تقطع أنه لا مستند له. وهذا الذي ذكره صاحب مراقي السعود قد صرح بما يناقضه في قوله قبله:
والأرض لا عن قائم مجتهد ** تخلوإلى تزلزل القواعد

وهذا النقيض الأخير هو الصحيح الموافق للحق.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما أنه قال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله» الحديث. وهو حديث مشهور متفق عليه لا نزاع في صحته.
ولا شك في أن هذه الطائفة التي صرح النبي صلى الله عليه وسلم: بأنها لا تزال ظاهره على الحق حتى يأتي أمر الله أنها طائفة على كتاب الله. وسنة رسوله. وليست ألبتة من المقلدين التقليد الأعمى.
لأن الحق هو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب ولاسنة كما قال تعالى في سورة النساء: {يا أيها الناس قَدْ جَاءَكُمُ الرسول بالحق مِن رَّبِّكُمْ} [النساء: 170] وقال في الأنعام: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وهو الحق} [الأنعام: 66]. وقال في النمل {فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّكَ عَلَى الحق المبين} [النمل: 79] وقال في يونس: {يا أيها الناس قَدْ جَاءَكُمُ الحق مِن رَّبِّكُمْ} [يونس: 108] والايت بمثل ذلك كثيرة.
فدعوى أن الأرض لم يبق فيها مجتهد ألبتة. وأن ذلك مستمر إلى ظهور المهدي المنتظر مناقضة لهذا الحديث الثابت ثبوتًا لا مطعن فيه. عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما لا نزاع فيه ان كل ما يناقض الحق هو ضلال. لأن الله جل وعلا يقول: {فَمَاذَا بَعْدَ الحق إِلاَّ الضلال فأنى تُصْرَفُونَ} [يونس: 32]. والعلم عند الله تعالى.
التنبيه الحادي عشر:
اعلم يا أخي أن هذا الإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. واعتقاد الاستغناء عنهما بالمذاهب المدونة الذي عم جل من في المعمورة في المسلمين من أعظم الماسي والمصائب. والدواهي اتي دهت المسلمين من مدة قرون عديدة.
ولا شك أن النتائج الوخيمة الناشئة عن الإعراض عن الكتاب والسنة من جملتها ما عليه السملمون في واقعهم الأن من تحكيم القوانين الوضعية المنافي لأصل الإسلام.
لأن الكفار إنما احتاجوهم بفصلهم عن دينهم بالغزوالفكري عن طرق الثقافة وإدخال الشبه والشكوك في دين الإسلام.
ولوكان المسلمون يتعلمون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويعملون بما فيهما لكان ذلك حصنًا منيعًا لهم من تأثير الغزوالفكر في عقائدهم ودينهم.
ولكن لما تركوا الوحي ونبذوه وراء ظهورهم واستبدلوا به أقوال الرجال لم تقم لهم أقوال الرجال ومذاهب الأئمة رحمهم الله مقام كلام الله والاعتصام بالقرآن. وكلام النبي صلى الله عليه وسلم والتحصين بسنته.
ولذلك وجد الغزوالفكري طريقًا إلى قلوب الناشئة من المسلمين:
ولوكان سلاحهم المضاد ** القرآن والسنة لم يجد إليهم سبيلا

ولا شك أن كل منصف يعلم أن كلام الناس. ولوبلغوا ما بلغوا من العلم والفضل. لا يمكن أن يقوم مقام كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبالجملة فمما لا شك فيه أن هذا الغزوالفكري الذي قضى على كيان المسلمين. ووحدتهم وفصلهم عن دينهم. لوصادفهم وهم متمسكون بكتاب الله وسنة رسوله لرجع مدحورًا في غاية الفشل لوضوح أدلة الكتاب والسنة. وكون الغزوالفكري المذكور لم يستند إلا على الباطل والتمويه كما هو معلوم.
{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سول لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قالوا لِلَّذِينَ كَرِهوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)}.
الظاهر أن الذين ارتدوا على أبدارهم من بعد ما تبين لهم الهدى. قوم كفروا بعد إيمانهم.
وقال بعض العلماء: هم اليهود الذين كانوا يؤمنون بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. فلما بعث وتحققوا أنه هو النبي الموصوف في كتبهم كفروا به.
وعلى هذا القول فارتدادهم على أدبارهم هو كفرهم به بعد أن عرفوه وتيقنوه. وعلى هذا فالهدى الذي تبين لهم هو صحة نبوته صلى الله عليه وسلم ومعرفته بالعلامات الموجودة في كتبهم.
وعلى هذا القول فهذه الآية يوضحها قوله تعالى في سورة البقرة: {ولما جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الكافرين} [البقرة: 89] لأن قوله: {فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ} مبين معنى قوله: {مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى}. وقوله: {كَفَرُواْ بِهِ} مبين معنى قوله: {ارتدوا على أَدْبَارِهِمْ}.
وقال بعض العلماء: نزلت الآية المذكورة في المنافقين.
وقد بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن سبب ارتداء هؤلاء القوم من بعد ما تبين لهم الهدى. هو إغواء الشيطان لهم كما قال تعالى مشيرًا إلى على ذلك {الشيطان سول لَهُم} أي زين لهم الكفر والارتداد عن الدين. وأملى لهم أي مد لهم في الأمل ووعدهم طو ل العمر.
قال الزمخشري: سول سهل لهم ركوب العظائم من السول. وهو الاسترخاء. وقد اشتقه من السؤل من لا علم له بالتصريف والاشتقاق جميعًا.
وأملى لهم ومد لهم في الامال والأماني. انتهى.
وإيضاح هذا أن هؤلاء المرتدين على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى وقع لهم ذلك بسبب أن الشيطان سول لهم ذلك أي سلهله لهم وزينه لهم وحسنه لهم ومناهم بطو ل الأعمار.
لأن طو ل الأمل من أعظم أسباب ارتكاب الكفر والمعاصي.
وفي هذا الحرف قرأءتان سبعيتان: قرأه عامة السبعة غير أبي عمرو. وأملى لهم بفتح الهمزة واللام بعدها ألف وهو فعل ماض مبني للفاعل. وفاعله ضمير يعود إلى الشيطان.
وأصل الإملاء الإمهال والمد في الأجل. ومنه قوله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 183]. وقوله تعالى: {ولاَ يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْمًَا} [آل عمران: 178] الآية.
ومعنى إملاء الشيطان لهم وعده إياهم بطو ل الأعمار. كما قال تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان إِلاَّ غُرُورًا} [النساء: 120].
وقال تعالى: {واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64] إلى قولك {وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشيطان إِلاَّ غُرُورًا} [الإسراء: 64].
وقال بعض العلماء: ضمير الفاعل في قوله: {وأملى لَهُمْ} على قراءة الجمهور راجع إلى الله تعالى.
والمعنى: الشيطان {سول لَهُمْ} أي سهل لهم الكفر والمعاصي. وزين ذلك وحسنه لهم. والله جل وعلا أملى لهم: أي أمهلهم إمهال استدراج.
وكون التسويل من الشيطان والإمهال من الله. قد تشهد لهم آيات من كتاب الله كقوله تعالى في تزيين الشيطان لهم {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ} [الأنفال: 48] الآية. وقوله تعالى. {تالله لَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ فهو وليهُمُ اليوم ولهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 63]. وقوله تعالى: {وَقال الشيطان لَمَّا قُضِيَ الأمر إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق ووعدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} [الأنفال: 22] الآية. إلى غير ذلك من الآيات.
وكقوله تعالى في إملاء الله لهم استدراجًا: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 182- 183]. وقوله تعالى: {ولاَ يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْمًَا ولهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [آل عمران: 178] وقوله تعالى: {قُلْ مَن كَانَ فِي الضلالة فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدًّا} [مريم: 75] وقوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أوتوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ} [الأنعام: 44] وقوله تعالى: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة الحسنة حتى عَفَوْاْ وَّقالواْ قَدْ مَسَّ ابَاءَنَا الضراء والسراء فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [الأعراف: 95]. وقوله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخيرات بَل لاَّ يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 55- 56] والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
وقرأ هذا الحرف أبو عمرو وحده من السبعة وأملي لهم بضم الهمزة وكسر اللام بعدها ياء مفتوحة بصيغة الماضي المبني للمفعول والفاعل المحذوف فيه الوجهان المذكوران آنفًا في فاعل. وأملي لهم على قراءة الجمهور بالبناء للفاعل.
وقد ذكرنا قريبًا ما يشهد لكل منهما من القرآن كقوله تعالى في إملاء الشيطان لهم {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان إِلاَّ غُرُورًا} [النساء: 120] وقوله في إملاء الله لهم: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 183] كما تقدم قريبًا. والإشارة في قوله تعالى في هذه الآية الكريمة {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قالواْ لِلَّذِينَ كَرِهواْ مَا نَزَّلَ الله سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمر} راجعة إلى قوله تعالى. {الشيطان سول لَهُمْ وأملى لَهُمْ}.
أي ذلك التسويل والإملاء المفضي إلى الكفر بسبب أنهم {قالواْ لِلَّذِينَ كَرِهواْ مَا نَزَّلَ الله سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمر}.
وظاهر الآية يدل على أن بعض الأمر الذي قالوا لهم سنطيعكم فيه مما نزل الله وكرهه أولئك المطاعون.
والآية الكريمة تدل على أن كل من أطاع من كره ما نزل الله في معاونته له على كراهته ومؤازرته له على ذلك الباطل. أنه كافر بالله بدليل قوله تعالى فيمن كان كذلك {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتبعوا مَا أَسْخَطَ الله وَكَرِهواْ رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 27- 28].
وقد قدمنا ما يوضح ذلك من القرآن في سورة الشورى في الكلام على قوله تعالى: {وَمَا اختلفتم فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله} [الشورى: 10] وي مواضع عديدة من هذا الكتاب المبارك.
وبينا في سورة الشورى أيضًا شدة كراهة الكفار لما نزل الله. وبينا ذلك بالآيات القرآنية في الكلام على قوله تعالى: {كَبُرَ عَلَى المشركين مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى: 13].
وقد قدمنا مرارًا أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة والله يعلم {إِسْرَارَهُمْ} قرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وشعبة عن عاصم أسرارهم بفتح الهمزة جمع سر.
وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم إسرارهم بكسر الهمزة مصدر أسر كقوله: {وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [نوح: 9] وقد قالوا لهم ذلك سرًا فأفشاه الله للعالم بكل ما يسرون وما يعلنون.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} أي: فكيف يكون حال هؤلاء إذا توفتهم الملائكة؟
أي قبض ملك الموت وأعوانه أرواحهم في حال كونهم ضاربين وجوههم وأدبارهم.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كون الملائكة. يتوفون الكفار وهم يضربون وجوههم وأدبارهم جاء موضحًا في موضع أخر من كتاب الله كقوله تعالى في الأنفال: {ولوترى إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال: 50] وقوله في الأنعام: {ولوترى إِذِ الظالمون فِي غَمَرَاتِ الموت والملائكة باسطوا أَيْدِيهِمْ أخرجوا أَنْفُسَكُمُ اليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون} [الأنعام: 93] الآية.
فقوله: {باسطوا أَيْدِيهِمْ} أي بالضرب المذكور.
والإشارة في قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتبعوا مَا أَسْخَطَ الله} أي أغضبه من الكفر به. وطاعة الكفار الكارهين لما نزله.
والإسخاط استجلاب السخط. وهو الغضب هنا.
وقوله: وكرهوا رضوانه لأن من أطاع من كره ما نزل الله فقد كره رضوان الله.
لأن رضوانه تعالى ليس إلا في العمل بما نزل. فاستلزمت كراهة مانزل. كراهة رضوانه لأن رضوانه فيما نزل. ومن أطاع كرهه. فهو ككارهه.
وقوله: فأحبط أعمالهم أي أبطلها. لأن الكفر سيئة لا تنفع معها حسنة. وقد أوضحنا المقام في ذلك إيضاحًا تامًا في سورة بني إسراء في الكلام على قوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الآخرة وسعى لَهَا سَعْيَهَا وهو مُؤْمِنٌ فَأولئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} [الإسراء: 19].
وفي سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوأنثى وهو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97] الآية.
واعلم أن هذه الآية الكريمة. قد قال بعض العلماء: إنها نزلت في المنافقين.
وقال بعضهم: إنها نزلت في اليهود. وأن المنافقين أو اليهود قالوا للكفار الذين كرهوا ما نزل إله سنطيعكم في بعض الأمر. وهو عداوة النبي صلى الله عليه وسلم والتعويق عن الجهاد ونحوذلك.
وبعضهم يقول: إن الذين اتبعوا ما أسخط الله. هم اليهود حين كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم لما عرفوه. وكرهوا رضوانه. وهو الإيمان به صلى الله عليه وسلم.
والتحقيق الذي لا شك فيه ان هذه اايات عامة في كل ما يتناوله لفظها. وأن كل ما فيها من الوعيد عام لمن أطاع من كره ما نزل الله.
مسألة:
اعلم ان كل مسلم. يدب عليه في هذا الزمان. تأمل هذه الآيات. من سورة محمد وتدبرها. والحذر التام مما تضمنته من الوعيد الشديد.
لأن كثيرًا ممن ينتسبون للمسلمين داخلون بلا شك فيما تضمنته من الوعيد الشديد.
لأن عامة الكفار من شرقيين وغربيين كارهون لما نزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وهو هذا القرآن وما يبينه به النبي صلى الله عليه وسلم من السنن.
فكل من قال لهؤلاء الكفار الكارهين لما نزله الله: سنطيعكم في بعض الأمر. فهوداخل في وعيد الآية.
وأحرى من ذلك من يقول لهم: سنطيعكم في الأمر كالذين يتبعون القوانين الوضعية مطيعين بذلك للذين كرهوا ما نزل الله. فإن هؤلاء لا شك أنهم من تتوفاهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم.